Tuesday, September 9, 2008

التباكي على أكاكي




زمان وانا صغير قريت قصة لأبو القصة القصيرة الروسية نيكولاي جوجول كان أسمها المعطف. بصراحة الحكاية دي اثرت فيا بجد أوي لدرجة ان بطل القصة واللي كان اسمه أكاكي أصبح معروف في حارتنا من كتر ما اتكلمت وحكيت عنه للعيال أصحابي وحتي الاطفال اللي أتولدوا أو لسه ح يتولدو في عيلتنا بيعرفوا المعلم أكاكي وبيقولوا ماما و بابا وأكاكي كمان (واسعة شوية بس عديها يا عمنا) بس الأكيد وع الاقل اللي انا كنت متأكد منه أن الديك في حارتنا كان بيدن كوكو أكاكي ولو مش مصدقين ممكن تسألو أي حرفوش من حرافيش حارتنا. المهم الريس أكاكي دا كان واحد غلبان وعدمان من الشعب المطحون والجربان....موظف حكومة كحيان ... اصلع حبة.. وشوا كله حفر وطيب وعلى نياته كدة زينا وكانت أمنية حياته بسيطة اووي انه يشتري معطف جديد ...بالطو جديد يعني ..علشان البالطو القديم بقى عامل زي شباكنا ستايره حرير (مع الاعتزار لشادية) وتهلهل والسقعة كانت هافة على قفاه لما يروح الديوان بتاع الحكومة أصله كان شغال باش كاتب ... المهم صاحبنا قعد يحوش ويحط القرش على القرش تحت البلاطة علشان يحقق أمنية عمره ويشتري البالطو الجديد ولما أشتراه جم كل حبايبه وغير حبايبه كمان يباركو ويهنو ويشربو شربات البالطو والنسوان بدأت تذغرد والكل يقولوا له منور يا أكاكي... أيه الحلاوة دي ياعمنا... لدرجة ان اكاكي طلعت في دماغه أن يعمل لفة جريئة في الحي بتاعهم علشان يوريهم الاملة اللي هو بقى فيها وراح لابس الحتة الزفرة ومشي يتقمع في الحارة ونافخ صدرة ولا بارم ديله باشا....غلبان ماهو مش عارف اللي ح يحصل له بعد كدة....وطبعا في ناس بتجد أن الكحكة في ايد اليتيم عجبة..وفي ايد غيرها أكبر حرام..... فراحوا فقعو عمنا علقة عمره ما كان يحلم بها ...وما تقولش حرامي أتمسك في مولد السيدة زينب ...المهم راحوا سرقوا منه البالطو الحيلة كمان اللي كان لسه شاريه طازة ويادوب أول طلعة وطبعا كالعادة هربوا وقالوا يا فكيك....لدرجة ان الراجل المسكين طب ساكت ومات من الحزن عليه... وأكيد كان يتمنى انهم يخلعوا له عين بس ما يخلعوش البالطو منه ويسرقوه..دا فكرني بموقف وحش الشاشة المصرية فريد شوقي لما وقف امام البلدوزر في دورة القوي في الفيلم المعفن اللي كان اسمه ...أنا... وقاله خدو عمري بس ابنو ليه مدرسة بسته فصول.... . مسكين يا ريس أكاكي حطيت شقى عمرك في حتة بالطو جديد لانج وداب الحلم كانه تانج .. حلاوة القصة ان عفريت المرحوم أكاكي طلع (ياماما) بعد كدة للناس في المدينة وبقى يسرق كل بلاطي الناس علشان يطفى ناره بس بدل ما ينتقم من اللي سرقوه ...الاهبل انتقم من كل الغلابة اللي كان عندهم نفس حلمه البسيط ....القصة ممكن تكون لأي حد فيكوا قصة مملة وهايفة زي معظم قصصي ويمكن كمان عذاب في الجتة ....بس بالنسبة لى كانت فعلا قوية جدا ودخلت جوة قلبي وربعت فيه وفتحت عيني على حاجات كتيرة من صغري ...ليه بقى؟ طبعا للنقاد قالو لما جوجول كتب قصة "المعطف" أنهم أتعلموا منها برضه زي انا و قالوا أحنا خرجنا من معطف جوجول و بجد كانوا يقصدون القصة المعفنة دي وبالتحديد معنيا وحرفيا ......واحد ح يقول ايه الهبل ده يا تركيب ...بلاش خيابة؟.. بالعكس يا عمنا والله لو طبقت الحكاية دي على حياتك ح تلاقي اننا كلنا زي أكاكي ويمكن أسخم منه كمان . مين اللي سرق المعطف أصلا؟ ماهو ناس غلبانة برضة ...وبدل ما يسيبو واحد يستمتع بالقليل .. لا ...دول نظام فيها يا أخفيها ياباشا.. يعني بيحسدوا الاعمى على سواد عيونه......يعني خلاصة القول با عمنا....ما بيشتطر على الفقير الا الفقير اللي زييه.. ودي فكرتني بي اللي بيحصل في شارعنا الان؛ وراح تلاقي كل واحد حيلة عمال يجمع ناس حوالية علشان يهاجم مجموعة تانية حوالين واحد تاني أخيب منه غيره وبكدة ممكن يقسمك أهلاوي ولا زملكاوي ...مسلم ولا مسيحي ...صعيدي ولا بحيري ...أبيض ولا أسمر يا سماره ...وفي النهاية تلاقي نفسك كل مرة في حزب جديد وكل مره عدوك بيتغير وفي النهاية متعرفشي مين معاك ومين ضدك وحتى لو عرفت ح تلاقي اللي ضدك أغلب من الغلب وما أخيب من ستي الا سيدي . فمثلا تلاقي التاجر بيضحك على المشتري مع انه ممكن يكسب برضة بالحلال واكتر بس تعمل اية نقص وكدة يعني الجدعنة...... والموظف بيطلع عين المواطن مع انه في مكان تاني بيطلع عينه من ابو الزمل ...... والشرطي يتقالط على المواطن ولابس الميري وبيتقمع ولو حكمت يطلع عينه وروحه كمان...أما سواق الميكروباس بيتحكم في الراكب مع انه من غيره مش راح يلاقي يأكل بس أهي عقد أكاكية وخلاص ورخامة ..سواق الاتوبيس يجري بعد المحطة علشان الناس تجري وراه...... والمدرس شغال دروس خصوصية وشغال لهط من من فلوس الموظف والسواق والشرطي ألخ... والحكومة اللي خيبتها ما وردت على حد واخيب من الغلب مطلعة عين الشعب مع أنها من غيره لاتسوي وكل يوم بيتبان عريانة قدام الملأ وتبان غبية وقليلة الحيلة وعمرها ما حلت مشكلة واحدة ولا حتى بتعرف تخطط ..بس في النهب وسرقة أحلامنا أكسبريس وبسبع رجلين ياولا وبعد كدة خلاص أيدك منها والقبر يعني نام يا نيلة ....أما الشعب الغلبان فكله مادد أيده في جيب اللي جنبه وملبس الطاقية للي بعده وضارب بكوعة في اللي قبله...وسلملي ع المترو.....دا لو جه أصلا ياباشا لانه كل يوم عطلان قال ايه حد عايز يسرق كبل الكهربا بتاعه .. وحتي الشعب لما يفك عن نفسه وتتاح له مساحة للحرية بيستخدم الحرية الموجودة بطريقة غلط مثلا ويروح يهاجم جاره ورفيق العذاب من غير سبب مع انه مسالم ولا ليه في التور ولا في الطحين ولو حكمت ممكن يعمل له قناة فضائية أنن ويسب ويلعن وطبعا يقعد في فندق خمس نجوم طبعا من السرقة ويعمل نفسه المصلح والمجاهد الكبير ....وأما علي المستوى الاصغر مثلا لو دخلت مرة البال توك راح تلاقي العجب راح تلاقي ناس لسه بتهاجم بعض من عشرات السنين في النت وبتستخدم نفس الكلام الاهبل ونفس الاصوات المسرسعة ونفس الاسئلة المقررة وأسلوب عفن الخبز للهجوم وخلاص..وكله بيتكلم ومحدش بيسمع ..وتلاقي أصحاب غرف دينية بتهاجم بعض بدل ما تهني بعض على انهم أحسن من غيرهم ومتدينين ويتحدوا ويهدوا الناس الي مكارم الأخلاق ...تلاقي المسلم بيهاجم المسيحي والعكس برضه صحيح والسني الشيعي والعكس صحيح ...وممكن تلاقي ناس لسه بتحب علي الطريقة الهكسوسية ولسه بتضحك علي بعض وعايشين في أوهام علمني العوم والنبي ياأحمد وبيسجدوا بعض بأفلام واسطوانات مشروخة من نصف قرن اكل عليها الدهر وشرب ونظام مش شايفه القمر يا ليلى ولا لابسة عدسات ...وساعات ممكن تلاقي واحد راح فتح روم له خصوصي لوحده وعمال يشتم بالفاظ بذيئة بسبب وبدون سبب ومتخيل ان دي الحرية..... جتنا خيبة في خيبتنا الاكاكية.... والمصيبة انك راح تلاقي دول الخليج عماله تشتم في المصريين ودول المغرب العربي بتشتم في المصريين برضة ماهو مولد وأكاكي غايب والعجب أنك ح تلاقي المصريين عماليين يشتموا في بعضهم.هما كمان ....... وفي النهاية تصل الى الحقيقة المرة ... أن مصر دولة الاكاكيين. ...صدقتني بقي لما قلت للك أن الطفل بيقول ماما وبابا وأكاكي. ايدي وجعتني من الكتابة ومستني رأيكم كالعادة ... بس بلاش كالعادة لاكاكي

2 comments:

Anonymous said...

جامده اخر حاجة...شوفت بقى...بجد تفسير جامد فعلان انا حاسس انى عايش فى جمهورية اكاكى..بس اه العلاج... يعنى جوجل باشا واضح الموضوع كله ..فى ستعارة المعطف..بس صحيح لما هو كده له احنا متغيرنش ...بجد نفسى يوم اشوف نصب تذكارى لاكاكى ...بعد ما تكون الدنيا خلصت من الاكاكين وكلو بقى يحترم كلو..ياترى اليوم ده هيجى ...ولا اكاكى كده راح فطيس ...يالا والله حاجة تحزن..
وشكرا على تفسير الرائع
Abendstern

Anonymous said...

انت كده بتلخص حياتنا اليومية
ومعاملاتنا مع بعض انا القصة بتفكرنى بموقف حصل مرة واحنا خارجين من المطار زى ده بالظبط
ما بين سواق التاكسى وامين شرطة وظابط استغربت مكنتش فاكرة الموضوع كده وبعدين اخويا فهمنى

انها دايرة وبتلف ولازم تلبس طاقية ده ل ده عشان الامور تمشى

ايييييييه دنيا اكاكى

تشكر على القصة يا دوك
نسمات